Monday, August 20, 2012

الكونترا والجحوش في غربي كردستان



 
قرأنا وسمعنا الكثير عن المسيرة الطويلة والشّاقة  لنضالات الشعب الكردستاني في الأجزاء الأربعة من كردستان, من أجل نيل الحريّة, والخلاص من سطوة الأنظمة الغاصبة لأرض كردستان. اشتعلت ثوراتٌ وانطفأت ثورات, وقدّم الكُرد من التضحيات ما قلّ نظيرها عند الكثير من الشعوب المتطلّعة إلى الانعتاق من قيود الهوان, فتاريخ الكرد تاريخٌ من كفاح, وصراعُه صراعُ وجودٍ لانتشال الذاكرة من رُكامِ الأزمِنة المنسيّة, ونفض الأوحال عن قاماتٍ من نورٍ ونار لِتُعانق وجه السّماء.
في كلّ محطّةٍ نضاليّة يصنع الكرد ملاحماً عظيمة, ويسطّرون روايات البطولة بمداد الروح والجسد والدماء, يشرّعون لِغَدِهِم بوّابات الأمل ويوصدون كلّ جحور الخنوع والمذلّة. ليعيدوا للطفولة بسمتَها, ينزعوا الحزن من أفئدة الأمهات, ويطفؤوا الحسرة  في قلوب الآباء المنتظرين طويلاً... متشبّثون بالمكان كالجبال لم تقتلعهم كلّ نوائب الزمان, يزرعون الرجال لتنبت بتلات الحريّة.
في كلّ ثورةٍ كرديّةٍ عظيمة يبرز قادةٌ, ويظهر أبطالٌ شجعان, مناضلون مؤمنون بحريّة شعبهم, يبذلون الحياة, يقدّمون الروح, يجودون بكلّ ما هو غالٍ, يزهدون بكل متاع الأرض, لا يبتغون حتى فراديس الآلهة, فقط الحرية هي ما يضحّون من أجلها, على أرضنا ثمّة ما يستحق الموت لأجله, وعلى أرضنا ثمّة ما يستحق الحياة من أجله, وعلى أرضنا الثورات لم تهدأ يوماً, ثوراتنا تزحف, ثوراتنا تغفو, ثوراتنا تنهض, ثوراتنا لا تموت, إنّها الحريّة إذن.
وفي كلّ ثورةٍ كرديّةٍ أيضاً يتكاثر المتسلّقون, ويبرز الانتهازيّون, ويظهر المتملّقون الزئبقيّون الانبطاحيون المنتفعون الذين يتحيّنون الفُرَصَ للنّيل من كلّ قيَم الثّورة ومعانيها, ويطؤون كلّ الجهود والتضحيات التي أتت بأتعاب المناضلين وعرقهم ودمائهم, يتجرّدون من كلّ القيّم الانسانيّة, , ينكثون بالعهد والأمانة, فينهبون ويسرقون, ثم ينزلقون إلى العمالة, ويغرقون في الحضيض, فضيلتهم الوحيدة هي الهرولة نحو المكاسب الشخصيّة, وسرعان ما يصطفّون في الطرف المقابل, يتطاولون على الدماء التي سالت على التراب ومن أجل هذه التراب, ويبادرون إلى الإخبار عن الشرفاء ليختفوا في الغياهب أو يقضوا نحبهم في زنازين السّفلة, وفي بعض الحالات يحاربون بني جلدتهم بالسّلاح إلى جانب الطغاة, وتنافح عنهم أقلامٌ مشبوهة مرّت بذات مراحلهم الآنفة الذكر.
اكتسب هؤلاء مسمياتٍ مختلفة في تاريخ الثورات الكرديّة الحديثة والمعاصرة, ففي جنوبي كردستان وخلال ثوراته المباركة لُقّبَ هؤلاء بالجحوش, و تمّت تسميتهم بذلك في شرق كردستان أيضاً. وفي ثورة شمالي كردستان العظيمة أُطلِقَ عليهم تسمية الكونترا أو الكونتركريلا أو قروجي, أمّا في غربي كردستان فبعد أن كان الأمر مقتصراً على كلمة عميل أو مُخبر وكان محصوراً بحالاتٍ فرديّة غير منظّمة بدأت تأخذ في الآونة الأخيرة وخلال الثورة الشعبيّة في سوريا وغربي كردستان منحىً آخر, فثمّة من يحاول أن يزرع بين الكرد في غربي كردستان " ثقافة التجحيش " وتطبيق العمالة بشكل منظّم. و أولى مظاهر التجحيش هي قلب المفاهيم, والإيحاء بأنّ المتسلّق السّارق والذي تحوّل فيما بعد إلى مُخبِر بأنّه شخصيّة وطنية, وإن مات بأنّه شهيد, من خلال قيام البعض من أنصاف الكتّاب وأنصاف الأحزاب بمنحه شهادات الوطنيّة وتعليق وسام استشهاده على بعض مواقعنا الوطنيّة جدّاً. أمّا من أمضى أكثر من ربع قرن من حياته في خدمة الوطن و الشعب في كافّة ساحات كردستان وبكافّة أساليب النضال, مواصلاً اللّيل بالنهار, متحدّياً الحرّ والبرد والجوع والعطش, زاهداً في الحياة, لا أسرة ولا أطفال ولا مال ولا بيت, لا أمّ ولا أب, فقط الثورة والشعب والرفاق هم كل ما يملك, هكذا كان المناضل الشهيد خبات ديريك, فهذا المناضل  يغدو في قاموس الكاذبين والمفترين "إرهابيّاً". هكذا تنقلب المفاهيم إذن, المدافع عن نفسه وقيَمه "مجرِم", والنّاهب الذي يدوس كلّ القيم "شخصيّة وطنيّة".
إنّ النزوع نحو خلق تيار الكونترا والجحوش في غربي كردستان مظهره الآخر هو ظهور بعض المناضلين الوهميين على ساحات الفيس بوك والسّاحات الالكترونيّة مختفين خلف القذارات, همّهم الوحيد هو معاداة الشّرفاء ومحاربتهم ومحاولة تحييدهم أو إقصائهم.
هذا الذي نقوله لم نقُله عبثاً, بل هي حالة واقعية تمّ التثبّت منها من خلال متابعة كتابات بعض الزّمر على المواقع الالكترونيّة ومتابعة بعض الحسابات على الفيس بوك لبعض الذين يعملون على مَنهَجَةِ التجحيش لضرب الحركة الوطنيّة الكرديّة في غربي كردستان وسوريا  وقلب الحقائق أو تشويهها, ومحاولة النيل من إرادة الشعب الكردي العظيم ودفعِهِ نحو منزلقاتٍ خطيرة.

أحمد يوسف
16/1/2012
الدانمرك

No comments:

Post a Comment