Monday, August 20, 2012

أوهامُ مثقّفٍ كُردي



ربما كانت مدينة آمد ( دياربكر ) الكردستانية قد تلقّت خبراً غير مؤكّدٍ مفاده أنّ الفنّان "بافي طيّار" وفرقته الكوميديّة سيحيون نوروز هذا العام في آمد لذلك احتشد مئات الآلاف من الآمديّين إن لم نقل أكثر في ساحة النوروز وأرخوا زنانيرهم استعداداً لتلقّف جرعة إكسترا ولساعات طويلة من الضحك المتواصل, وكان الآمديّون مطمئنّين إلى أنّه ما من أحد سيسقط على قفاه غرقاً في الضحك نظراً لاحتشاد الجماهير, ولكن خاب ظنّ الأمديّين ولم يطر إليهم " بافي طيّار ", وبما أنّهم تعبوا وأتوا إلى مهرجان النوروز فلا ضير أن يستمعوا قليلاً إلى ما سيتفوّه به دميرتاش أو بايدمير أو ليلى زانا, وإلّا فإنّ بافي طيّار هو سرّ هذه الحشود النوروزيّة, فالجماعة التي تقف وارء بافي طيّار روّجت خبر مجيئه في كل نقطة من نقاط الاحتفال بالنوروز في كافّة أرجاء كردستان في خطّة مدروسة منها لجذب الجماهير, ولولا ذلك لما خرج أحد من بيته يوم النوروز. وهذا ما حدث في غربي كردستان وسوريا أيضاً, فأستاذ الرياضيات أجرى إحصائيّة دقيقة مئة بالمئة بأدواته المتطوّرة واستطلاعاً للرأي بحسّه الثوري جدّاً ومن خلال تلك الإحصائية وذلك الاستطلاع تمّ التاكّد أنّ جميع الذين شاركوا في نوروز غربي كردستان هذا العام إنّما شاركوا بسبب بافي طيار. كان أبناء وبنات الشعب يستعدّون للمشاركة في ( أربعاء عذراً نوروز سوريا تنزف ) وما أن سمعوا باسم بافي طيّار حتّى خبت الثوريّة في عروقهم, وتضاءلت رغبتهم في إسقاط النظام, وخفّت نزعتهم الوطنيّة لتطغى عليها النزعة الكوميديّة. ليساهم بافي طيار ومن يقف وراءه في إلهاء الشعب وإبعاده عن الثورة, فهو ومن معه ليسوا مع الثورة وليسوا مع إسقاط النظام لأنهم يرفعون علماً ربيعيّاً ثلاثيّ الألوان إلى جانب الأعلام الوطنية والقوميّة الأخرى, ولانّهم ينادون بإسقاط النظام باللغتين الكرديّة والعربية وهذا لا يجوز فعليهم أن ينادوا فقط بالعربية احتراماً لمشاعر شركائنا في الوطن, وهم ليسوا مع الثورة لانّهم يقومون بتنظيم الشعب قبل حدوث الفوضى فالمنطق المبخوش يقول لا يجوز القيام بالتنظيم إلّا بعد حدوث الفوضى.
سأقرع لكم صباح مساء على طبول التنوع والاختلاف والتباين والتمايز والتعدّد والرأي الآخر, وبعدها سأثقب آذانكم بنشازٍ من اسطوانتي وسأغنّي لكم أغنية عتيقة من تراث القرباط ( مع احترامي لهم ) ومشاهيرهم من المهرّجين المنفيين في إقليم كردستان وأوروبا, سأنقل لكم الأغنية الثقيلة التي لا تسرّ السّامع, سأنقلها لكم بسندٍ متواتر من ببّغاواتٍ لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها, وبمتنٍ مهلهَلٍ متداعٍ, وبإخراجٍ هيب هوبيّ حداثوي, أغنيتي هي نفسها التي تعرفونها وليس لديّ غيرها: لماذا الأوجلانيون لم يكسبوا تأييد جميع الكرد في شمالي كردستان؟ وماذا فعلوا من أجل غربي كردستان طيلة ثلاثين عاماً؟ قد تتساءلون كيف تطبلٌ للتعدّدية وتقول لماذا كلّهم لم يصبحوا أوجلانيّين؟ بالفعل معكم حق لقد اكتشفتم سخافة الأغنية والقرف الملازم لها, والسؤال الثاني أكثر وطأة وسخفاً من الأول فكنّا نتّهمهم بالثوريّة فيما مضى والآن نتّهمهم باللّاثورية وكأنّ الثورية مفهوم مفصّل على مقاسنا الاستندر ويجب أن يرتديه الجميع كما نريد نحن أو كما يطلب منّا الحجي صدر الدين.
إنّنا نطالب الجيش الإيراني بقصف قنديل, وإعدام الآلاف من أمثال فتاحيان وخضري وشيرين, ونطالب الأتراك بأن يعدموا عبدالله أوجلان, ويعتقلوا من تبقّى من البرلمانيّين والصحفيّين والكتّاب الكرد, وكذلك أن يعتقلوا آلاف أخرى من الأطفال, كما نطالبهم بأن يلقوا بعدّة قنابل غازية على رؤوس أحمد ترك و ليلى زانا و أيسل توغلوك وكاشناك وسرّي وغيرهم ليلقوا حتفهم كما لقى حجي زنكين حتفه في استنبول, وكذلك نشدّد على مطالبنا بإغلاق الفضائيات التالية: ستيرك, نوجه, نوروز, روناهي, ويفضّل إغلاق م م س أيضاً, وحجب الانترنت من أجل ما تبقى من روابط و أشلاء لروج تيفي, هذا ونطالب النظام السوري بأن يغتال صالح مسلم ويعتقل كل أعضاء وأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي المتفرّغين منهم وغير المتفرّغين, وأن يحتفظ النظام بمن لم يتمّ إطلاق سراحه بعد, بل وتشديد أحكام السجن من 12 سنة إلى 25 سنة, و الأفضل يُقتلوا تحت التعذيب. إنّنا - معشر المناطقة وسدنة العقل – نطالب بكل هذا من الدول المذكورة وغير المذكورة فقط لكي نصدّق أنّهم يناضلون من أجل حريّة الكرد وكردستان, بعد ذلك بإمكان من تبقّى منهم أن يأتوا لنمهر جباههم بختم الوطنيّة, ونعلّق على صدورهم أوسمة القوميّة ونوزّع عليهم شهادات الانخراط في الثورة السوريّة بالشكل وبالأسلوب الذي نريد, ورغم أنّي لا أعرف ما معنى الانخراط في الثورة بشكل جدي وعملي ولكن يجب أن تتحوّل أشرفيّة حلب إلى بابا عمرو حمص والشيخ مقصود إلى الخالدية, و عامودا إلى إدلب, ويجب أن نصرخ عاش السنّة عاش السنّة و تكبيييييير حتّى نكون ثوريّين أكثر من اللّازم.
إذا كنتُ مثقّفاً وواعياً من ضمن قافلة المثقّفين الكرد الكثر في غربي كردستان وسوريا فكيف تمّ خداعي طوال هذا الوقت؟ فإمّا أنّ الغباء كان من خصالي وإمّا هم أكثر ذكاءًا وواقعيّة مني, كنت أظنّ نفسي حسيباً ورقيباً ويحقّ لي السؤال عن أوجه الصرف المالي لحزب من الأحزاب, وكأّن الأمر يعنيني, فلا أنا عضو فيه ولا أنا من يدفع لهم قرشاً واحداً, فأكتشفت أنّي أحشر نفسي في ما لا يعني غيظي وحقدي, وبحثت كثيراً وكثيراً عن بعض الإنجازات ولكني لم أجد شيئاً, واستعنتُ بالتلسكوبات والمجاهر ولم أرى شيئاً أيضاً, وتبيّن لي في النهاية أنّني أعمى ومن كان أعمى فكلّ مجاهر العالم لن تسعفه في الرؤية.

أحمد وليد يوسف

                        

آخر خيارات الثورة السوريّة


تشارف السنة الثوريّة السوريّة الأولى على الانتهاء, ومازال الشعب السوري الصامد يواجه بمفرده كلّ أساليب القتل والبطش والتنكيل, مُقَدّماً عشرات الشهداء كلّ يوم كُرمى لكرامةٍ مُداسةٍ وحريّةٍ مسلوبة, كلّ يومٍ نفتح أعيننا على مجزرة جديدة, وكلّ يومٍ يعتصر الألم أفئدتنا قدّام مشاهد قتل الانسان وصورِ وأد أحلام الطفولة تحت ركام قصف المنازل وهدمها.
لم يُلقِ النظام الفاشي آذاناً صاغية لا لمطالب شعبه ولا لكلّ الضغوط العربيّة والدوليّة, وكلّ السبل الدبلوماسيّة لم تجدِ نفعاً في وقف نزيف الدم السوري على طول البلاد وعرضها, بل يزداد النظام الأسدي وحشيّةً وشراسةً إثر كلّ دعوة أو ضغطٍ أو مؤتمر. إنّ النظام الذي امتهن سفك الدماء منذ نشأته لن يرعوي ولن يتنازل عن همجيّته, وهو مازال يراهن على أن قتل الشعب هو السبيل الوحيد لبقاءه واستمراريّته.
كلّ الأقنعة سقطت, وتبيّن أنّ كلّ المؤتمرات الدوليّة والعربية وحتّى مؤتمرات المعارضة لم تفعل في النظام فعلتها, ولم تؤثّر فيه لإيقاف المجازر والنهي عن قتل الشعب السوري, بل يمكن القول إنّ النظام كان يكتسب جرعة ثقةٍ بعد كلّ مؤتمرٍ وبعد كلّ قرارٍ حبريٍّ خاوٍ مرهون بالتسويف لا جدّية فيه, فحلفاء هذا النظام جادّون ومتمسّكون بحليفهم القاتل أكثر من تمسّك ( أصدقاء الشعب السوري ) بحرمة الدم السوري, ليتبيّن أنهم أصدقاء النظام السوري وليسوا أصدقاء الشعب السوري, فلا صديق للشعب السوري سوى السوريين أنفسهم.
أمّا المعارضة السوريّة فما زالت تدور في حلقة مفرغة, مرتبكة, متصارعة فيما بينها, كلّ طرفٍ يلهث هنا وهناك, يقوم بصولاته وجولاته يبحث عن الاستحقاق والشرعيّة أكثر من بحثه في كيفيّة وقف نزيف الدم السوري وإسقاط هذا النظام المجرم, وفي كثير من الأحيان تقوم أطراف المعارضة بالوشاية على بعضها ضدّ بعض في لقاءاتها على المنابر الإعلاميّة. كلّ طرفٍ يعرض تصوّره لمرحلة ما بعد النظام وكانّه يعرض برنامجاً انتخابيّاً لكسب الجماهير, في الوقت الذي تغرق فيه سوريا في بحر من الدماء.
أحد أطراف المعارضة عوّل وتهافت كثيراً وراهن على التدخّل العسكري الدولي في سوريا, وروّج لهذا التدخّل في كلّ المحافل الدوليّة وحاول استجراره بكل الوسائل وفي كلّ المؤتمرات, ولكن كان يأتي الرّد دائماً باستحالة التدخّل العسكري في سوريا, وكان يتمّ التشديد على رفض هذا التدخّل في بنود كافّة المؤتمرات التي عُقدت حول سوريا بدءًا من مؤتمرات الجامعة العربيّة والتي خرجت بالمبادرة العربية وانتهاءًا بمؤتمر تونس. والقوى الدوليّة في كلّ مناسبة أكّدت على عدم وجود بند التدخّل في سوريا على جدول أعمالها حتّى على المدى البعيد طالما ليس ثمّة من يسدّد فاتورة هذا التدخّل. إذن ألم يكن صراخ المعوّلين على التدخّل الخارجي والاستماتة في جلب هذا التدخّل صراخاً في الفراغ !؟
أمّا الطرف الآخر من المعارضة السوريّة فما زال موغلاً في تمسّكه باللّاءات الثلاثة ويقبض ويعضّ عليها بالنواجذ, ويصرّح في كلّ مكانٍ وزمان بالتزامه بمواقفه - المبدئيّة والثابتة – وعدم حياده عنها, بحجّة الواقعيّة في الطرح, وكأنّ هذه اللّاءات كفيلة ببثّ الرحمة في قلب الأسد المجرم ونظامه القاتل. إنّ تلك اللّاءات الثلاثة ( لا للعنف, لا للطائفيّة, لا للتدخّل الخارجي ) من حيث المبدأ لا غبار عليها وهي مطالب كل الشعب السوري, ولكن ببساطة وبعد قرابة السنة من عمر الثورة وبعد كلّ الدماء التي سالت و التي مازالت تسيل, لم يعد لتلك اللّاءات أيّة معانٍ حقيقيّة, لأن الواقع يقول إنّ سوريا الآن تدور في دوامة العنف أكثر من أيّ وقتٍ مضى, والحديث عن سلميّة الثورة سقط بعد سقوط الآلاف من الشهداء بينهم الكثير من الأطفال والنساء, فأيّة سلميّةٍ هي التي يمكن أن تقف في مواجهة الدبابات والصواريخ والقذائف؟ وكأنّنا لم نتعرّف بَعدُ على عقليّة هذا النظام البعثي منذ نصف قرن, فعمليّاً سقط مبدأ اللّاعنف.
ومبدأ لا للطائفية أيضاً سقط منذ تشكيل كتائب باسم معاوية والفاروق وابن الوليد... وغيرهم من الصحابة من الأزمنة البائدة, وحريّ بنا الاعتراف بأنّ هنالك على أرض الواقع ثمّة جيش سوريّ حر ( سنّي ) وجيش أسديّ نظامي ( علوي ). أمّا ما هو متعلّق بالتدخّل الخارجي فإنّ القوى الدوليّة إن أرادت أن تتدخّل عسكريّا في سوريا فإنّها لن تستأذن أحداً من الرافضين له, كما أنّها لن تتهافت على طلب الراغبين لذلك من أجل أن تتدخّل.
أمام هذه المشاهد التراجيديّة المأساويّة في بلدنا سوريا, وأمام هذا التهريج المعارض المثير للسخرية, وأمام استمرار النظام الأسديّ المجرم بارتكاب المزيد من الجازر الدمويّة بحق شعبه, والإيغال في انتهاكاته واستباحته للدم السوري, وكذلك أمام صمت العالم وبقاءه تحت قباب المؤتمرات, وبعد أن انسدّت كلّ سبل الحل, هل تبقّى أمام الشعب السوري من خيار آخر إلّا أن يدافع عن نفسه بنفسه؟
يبدو أنّ الزخم الشعبي والانتفاضة الشاملة والإضراب الشامل مع التمسّك بحق الدفاع عن النفس بكافّة الوسائل, هي السبل الكفيلة لتحقيق أهداف الثورة السوريّة في إسقاط النظام وبناء سوريا جديدة ديقراطية تعدّدية حرّة. 

أحمد يوسف

أقنعةُ الطّاغوت أردوغان



 
صوفيٌّ بعمامةِ بني عثمان حين يدير وجههُ جنوباً صوب أممٍ من الغيبيّاتِ مثقلةٍ بسطوة قرونٍ طوالٍ من الجدل على الأحقيّة بالجبّة والعمامة, ومنهمكةٍ بدَرءِ الإفكِ عن نظريّةٍ لا إفكَ فيها ولا من يحزنون, فيرتدي كُرمى لِحُلمِهِ العتيق وجهاً وديعاً "خادعاً" يناسبُ انقيادَ الخلائق الآنفة الذّكر خلف رائحةِ بخّوره وسِواكِهِ , والعمى إنبهاراً بالكحل الربّانيّ في عينيهِ, يطوف هنا وهناك لإشباع مسمعيه بعبارات الاستجداء والاستنجادِ كخليفةٍ للأمّة وأميرٍ للمستضعفين, وليطمئِنَ ذاتَهُ بارتفاع راياته المصبوغة بالدّم في إماراته الافتراضيّة التي كانت يوماً ما تُرفَعُ راياتُهُ فيها على الخازوق.
في الحقيقة هو طبلٌ يصمّ المسامع بثرثرته وجعجعته, تارةً هو الناصر والفاتح لبيت المقدس ذارفاً على أطفال غزّة نهورُ دمعٍ من الزّيف, نِفاقاً ليس إلّا. وتارةً هو مُخلّص أرض الشّام من صديقه الطاغية, وحامي حِماها, و راعياً لذقونٍ قميئةٍ تضمر الضغينة وتخفي سيوفاً لإشهارها على حين غرّة. واليومَ يشرّق صوب القرن الجائع متصوملاً, لابساً قناع الورع والتّقى, ليخفي بذلك وجه الثعلب المسخ الذي هو, لم يتوانى عن القفز كمهرّجٍ بين تونس والقاهرة و طرابلس ودمشق, ومحاولاً إطلاق يده في غربي كردستان وجنوبه, ليطمَئِنّ إلى كعكته في كلّ محيطه وما سيؤول إليه هذا المحيط, لِمَا لا وهو يؤسّس لاستعادة أمجاد الخوازيق.
تراه يُبدّل قناعه وقناعته حين يستدير غرباً ليُثقل عليه حلمٌ آخر لا تقلّ حرقةُ تحقيقه عن حرقة تحقيق الحلم الأوّل , يقبض على قلبه ويحزّ في نفسه, وهنا يخلع الجبّة ويفصّل قناعاً مغايراً يرتديه في حضرة أسياده من أصحاب الحداثة الرأسماليّة, منبطحاً أمامهم في محاولة إلحاق الجغرافية بصغرى المنظومات القاريّة  وكبراها انتظاماً.
بعد صولاته العديدة وحين يلتفت إلى داخله ويعود إلى بيته,يخلع جميع أقنعته ويكشّر عن قبحه, ليتبدّى وجه أردوغان الحقيقي من دون حجبٍ أو أقنعة, ويدان تحترفان الجريمة, تتلطخان بطُهر الدماء الكرديّة, لا يلقي أسماعاً لكلّ نداءات السّلام ودعواته من قائدٍ مقاوِمٍ في زنزانةٍ فرديّة معزولة, منذُ سنين. بل مستمرٌّ في بطشه وتنكيله, وقتله لأيّة مبادرة سلميّة جادّة من طرف حزب العمال الكردستاني , الّذي أثبت ويثبت رغبته الحقيقيّة في وضع حدّ لإراقة الدماء, وهنا ينكشف من هو المسالم ومن هو الإرهابي, ومن هو متعطّشٌ للحريّة والسلام ومن هو المتعطّشُ للدماء, فالحملات العسكرية الوحشيّة الأخيرة التي شنّها وما زال يشنّها أردوغان وعصابته على أراضي جنوبي كردستان ومعاقل المقاتلين الكرد المناضلين, لهي صورة حقيقيّة تعكس مدى عنصريّة الإدارة التركيّة وشوفينيّتها, وحجم الحقد الأسود الذي يصمّ أردوغان ويعميه, لا بل هو الأعمى بنشأته وتركيبته النفسيّة, ومُصمَّمٌ كقاتلٍ ومجرم, في عالمٍ أصمّ وأعمى, لا يسمع ولا يرى حقيقة هاتيك الانتهاكات الصارخة لحياة الكرد وحقوقهم, ولن أقول لحقوق البشر, لأنه ما من آدمي على وجه البسيطة انتُهِكَ بالصورة التي يُنتهكُ بها الكُرد. إنّ قتل الكرديّ من البدهيّات في امبراطوريّة أردوغان الفاشيّة, ليس هذا فحسب بل ثمّة حرب إبادة عرقيّة تشمل كل جوانب الوجود الكردي على أرضه, فالكرديّ محارَبٌ في ذهنيّته, ومحارَبٌ في هويّته وثقافته ولغته وتاريخه, دعوني أقولها بعاطفةٍ مشحونة: " إن طالب الكرديّ بهويّته فهو إرهابي" ولسوف تمطره طائرات المجرم أردوغان بقذائفه حتّى لو كان في عقر داره, أو في سيّارته مع زوجته وأطفاله وأبَوَيه الطّاعنَين في اجتراع مرارة الحياة من كؤوس الأسى, آخر اعتداءات الطاغوت أردوغان كان منذ أيامٍ حيث حوّلت قذائفه الغادرة أجساد عدد من الكرد, رجالاً ونساءاً وأطفالاً إلى أشلاء متناثرة متفحّمة, فضلاً عن استمراره في عمليّات التمشيط السّافرة التي يشنّها عديم الأخلاق وآلته العسكريّة على مناطق الدّفاع المشروع التّابعة لقوّات حماية الشّعب الباسلة.
لن تكون العاطفة مشحونةً باليأس أبداً, فهناك في القِمم أبطالٌ لا يقبلون مطلقاً بأن يتمادى أردوغان في إرهابه, ولن يسمحوا بأن يتجاوز به الغيّ في استهدافه للمدنيّين العزّل أينما كانوا وعلى أيّة بقعةٍ ينبضُ فيها قلبٌ كُرديّ.

أحمد يوسف
25/8/2011

الكونترا والجحوش في غربي كردستان



 
قرأنا وسمعنا الكثير عن المسيرة الطويلة والشّاقة  لنضالات الشعب الكردستاني في الأجزاء الأربعة من كردستان, من أجل نيل الحريّة, والخلاص من سطوة الأنظمة الغاصبة لأرض كردستان. اشتعلت ثوراتٌ وانطفأت ثورات, وقدّم الكُرد من التضحيات ما قلّ نظيرها عند الكثير من الشعوب المتطلّعة إلى الانعتاق من قيود الهوان, فتاريخ الكرد تاريخٌ من كفاح, وصراعُه صراعُ وجودٍ لانتشال الذاكرة من رُكامِ الأزمِنة المنسيّة, ونفض الأوحال عن قاماتٍ من نورٍ ونار لِتُعانق وجه السّماء.
في كلّ محطّةٍ نضاليّة يصنع الكرد ملاحماً عظيمة, ويسطّرون روايات البطولة بمداد الروح والجسد والدماء, يشرّعون لِغَدِهِم بوّابات الأمل ويوصدون كلّ جحور الخنوع والمذلّة. ليعيدوا للطفولة بسمتَها, ينزعوا الحزن من أفئدة الأمهات, ويطفؤوا الحسرة  في قلوب الآباء المنتظرين طويلاً... متشبّثون بالمكان كالجبال لم تقتلعهم كلّ نوائب الزمان, يزرعون الرجال لتنبت بتلات الحريّة.
في كلّ ثورةٍ كرديّةٍ عظيمة يبرز قادةٌ, ويظهر أبطالٌ شجعان, مناضلون مؤمنون بحريّة شعبهم, يبذلون الحياة, يقدّمون الروح, يجودون بكلّ ما هو غالٍ, يزهدون بكل متاع الأرض, لا يبتغون حتى فراديس الآلهة, فقط الحرية هي ما يضحّون من أجلها, على أرضنا ثمّة ما يستحق الموت لأجله, وعلى أرضنا ثمّة ما يستحق الحياة من أجله, وعلى أرضنا الثورات لم تهدأ يوماً, ثوراتنا تزحف, ثوراتنا تغفو, ثوراتنا تنهض, ثوراتنا لا تموت, إنّها الحريّة إذن.
وفي كلّ ثورةٍ كرديّةٍ أيضاً يتكاثر المتسلّقون, ويبرز الانتهازيّون, ويظهر المتملّقون الزئبقيّون الانبطاحيون المنتفعون الذين يتحيّنون الفُرَصَ للنّيل من كلّ قيَم الثّورة ومعانيها, ويطؤون كلّ الجهود والتضحيات التي أتت بأتعاب المناضلين وعرقهم ودمائهم, يتجرّدون من كلّ القيّم الانسانيّة, , ينكثون بالعهد والأمانة, فينهبون ويسرقون, ثم ينزلقون إلى العمالة, ويغرقون في الحضيض, فضيلتهم الوحيدة هي الهرولة نحو المكاسب الشخصيّة, وسرعان ما يصطفّون في الطرف المقابل, يتطاولون على الدماء التي سالت على التراب ومن أجل هذه التراب, ويبادرون إلى الإخبار عن الشرفاء ليختفوا في الغياهب أو يقضوا نحبهم في زنازين السّفلة, وفي بعض الحالات يحاربون بني جلدتهم بالسّلاح إلى جانب الطغاة, وتنافح عنهم أقلامٌ مشبوهة مرّت بذات مراحلهم الآنفة الذكر.
اكتسب هؤلاء مسمياتٍ مختلفة في تاريخ الثورات الكرديّة الحديثة والمعاصرة, ففي جنوبي كردستان وخلال ثوراته المباركة لُقّبَ هؤلاء بالجحوش, و تمّت تسميتهم بذلك في شرق كردستان أيضاً. وفي ثورة شمالي كردستان العظيمة أُطلِقَ عليهم تسمية الكونترا أو الكونتركريلا أو قروجي, أمّا في غربي كردستان فبعد أن كان الأمر مقتصراً على كلمة عميل أو مُخبر وكان محصوراً بحالاتٍ فرديّة غير منظّمة بدأت تأخذ في الآونة الأخيرة وخلال الثورة الشعبيّة في سوريا وغربي كردستان منحىً آخر, فثمّة من يحاول أن يزرع بين الكرد في غربي كردستان " ثقافة التجحيش " وتطبيق العمالة بشكل منظّم. و أولى مظاهر التجحيش هي قلب المفاهيم, والإيحاء بأنّ المتسلّق السّارق والذي تحوّل فيما بعد إلى مُخبِر بأنّه شخصيّة وطنية, وإن مات بأنّه شهيد, من خلال قيام البعض من أنصاف الكتّاب وأنصاف الأحزاب بمنحه شهادات الوطنيّة وتعليق وسام استشهاده على بعض مواقعنا الوطنيّة جدّاً. أمّا من أمضى أكثر من ربع قرن من حياته في خدمة الوطن و الشعب في كافّة ساحات كردستان وبكافّة أساليب النضال, مواصلاً اللّيل بالنهار, متحدّياً الحرّ والبرد والجوع والعطش, زاهداً في الحياة, لا أسرة ولا أطفال ولا مال ولا بيت, لا أمّ ولا أب, فقط الثورة والشعب والرفاق هم كل ما يملك, هكذا كان المناضل الشهيد خبات ديريك, فهذا المناضل  يغدو في قاموس الكاذبين والمفترين "إرهابيّاً". هكذا تنقلب المفاهيم إذن, المدافع عن نفسه وقيَمه "مجرِم", والنّاهب الذي يدوس كلّ القيم "شخصيّة وطنيّة".
إنّ النزوع نحو خلق تيار الكونترا والجحوش في غربي كردستان مظهره الآخر هو ظهور بعض المناضلين الوهميين على ساحات الفيس بوك والسّاحات الالكترونيّة مختفين خلف القذارات, همّهم الوحيد هو معاداة الشّرفاء ومحاربتهم ومحاولة تحييدهم أو إقصائهم.
هذا الذي نقوله لم نقُله عبثاً, بل هي حالة واقعية تمّ التثبّت منها من خلال متابعة كتابات بعض الزّمر على المواقع الالكترونيّة ومتابعة بعض الحسابات على الفيس بوك لبعض الذين يعملون على مَنهَجَةِ التجحيش لضرب الحركة الوطنيّة الكرديّة في غربي كردستان وسوريا  وقلب الحقائق أو تشويهها, ومحاولة النيل من إرادة الشعب الكردي العظيم ودفعِهِ نحو منزلقاتٍ خطيرة.

أحمد يوسف
16/1/2012
الدانمرك

عندما يُخفي التّاريخُ مَعالِم الهُويّة...




إذا كان التاريخ هو ذكرٌ طاغٍ ومستبدّ, فإنّ الجغرافيا هي أنثى مغتصَبة, وإذا كان التاريخ مخادعٌ متحوّل فإنّ الجغرافيا أمٌّ ثابتة تفتح ذراعيها لأبنائها على الدوام, فليس ثمّة شيء أبقى من المكان وكلّ ما عداه وهمٌ. للأمكنة دروبٌ تقودك إلى فجر الأزمنة وما من زمان إلّا ويقودك صوب الخديعة. ونحن الكرد لنا محنتنا في إدراك هذه الحقيقة, نستكين لظلم التاريخ ونتماهى معه ونعشقه أيضاً, نفتخر بأنّ التاريخ ظلمنا, ونشعر بالحرج عند الحديث عن جغرافيا سُلبت بمخالب ذاك التاريخ, يستهوينا أسر التاريخ لنا, ونكره الانعتاق من سطوته وجبروته لأن ما زرعه التاريخ فينا واقعٌ, والجغرافيا حلم.
إنّ التاريخ عندما يطمس معالم الجغرافيا فإنّ ذلك يعني طمساً للهويّة, لأن الجغرافيا ليست نقوشاً أو رسومات أو وهماً مصنوعاً في الأخيلة, وليست مخيالاً متعلّقاً بالاعتقاد, وإنّما حقيقة لا يمكن تجاوزها خاصّة في علاقتها مع تشكّل مفهوم الهوية لدى أيّة منظومة مجتمعيّة, لذا فإنّ البقاء أسرى لتاريخ مقيت بدافع الركون للواقع, ما هو إلّا تجاوز للهويّة كونها جوهرٌ ثابتٌ نسبيّاً – قد تتعرّض بعض مكوّناتها للتغيير مثل التقاليد والقيم وبعض أنماط التفكير -  فالتاريخ الذي تمّت صياغته دون إرادة الشعب ليس قدَراً ثابتاً كما المكان والهويّة, وإذا كان كذلك فالأجدى الأخذ بالتاريخ الحقيقي الذي يصنعه الشعب والمرتبط بوعيه الجمعي الذي هو أساسٌ وركنٌ من أركان نشأة الهويّة وتمايزها, وإنّ إلغاء الجغرافيا من العناصر المشكّلة لهويّة ما بدعوى أنّ التاريخ بزيفه فرض واقعاً جغرافيّاً مغايراً وعلينا التسليم به, إنّ هذا لتغريبٌ للهويّة وسلبها التمايز الذي اكتسبته من التقاء عناصر عديدة أهمّها اللّغة والثقافة بالإضافة إلى الجغرافيا والتاريخ ووعيهما.
إنّ هذا الكلام يأتي في سياق اللغط والتهافت والمزاودة على قضيّة الشعب الكردي ( الكردستاني) عموماً, وقضيّة الشعب الكردستاني في غربي كردستان – أي الجزء الواقع في سوريا - خصوصاً, والاجتهاد في فصل قضية الكرد في سوريا عن الأرض وعدّها قضيّة حقوق مواطنة ولغة فقط, والنأي بها والتغاضي عنها كقضية هويّة ووجود وكيان وجغرافيا, والحال هذه تشبه قضية الفلسطينيّين, فهل يمكن عدّ القضية الفلسطينيّة على أنّها قضيّة مواطنة وحقوق ثقافية في إطار دولة إسرائيل العبريّة؟ وهل كفاح الفلسطينيّين هو كفاح من أجل نيل الهوية الاسرائيليّة؟ بالطبع إن من يقول هذا يتجنّى كلّ التجنّي على حقوق الشعب الفلسطيني, فقضيتهم هي قضيّة أرض وشعب, إذن هي قضيّة هويّة تمّ سلبها, ومن هنا فإن القراءة الخاطئة للتاريخ وحصره بالمئة سنة الأخيرة وما أفرزتها من تشويه وتحريف لمفهومي الهوية والانتماء بحكم خلقه لواقع جغرافيّ جديد يجعل من التاريخ الذي هو متحوّل وهماً وما الثبات إلّا للجغرافيا. قد يُفهَم من هذا الكلام دعوة لما نُتَّهم به على الدوام, ولكن القصد من وراء هذا هو أنّه لا يحقّ لأحد أن يفرض على الآخر هويّة لن يتآلف معها أو يلبسه انتماءًا غير ما هو يشعر بأنه منتمٍ إليه, فحرّية الانتماء ليست حديثاً مختلقاً ابتدعه الكرد ولا هي آية مزيّفة هبطت كوحي عليهم, بل هي طبيعة بشريّة عامّة رافقت البشر منذ بشائر الوجود الأولى.
إذا كانت الهوية العربية يتمّ تعريفها على أنّها هوية الانسان الموجود على أرض عربيّة, والهويّة التركية هي هويّة كل من ينتمي إلى تركيّا الأرض, والهويّة الفارسيّة هي هويّة كل الإيرانيّين, فكيف يتمّ تعريف الهويّة الكرديّة بمعزل عن الحيّز المكاني؟ فهل يمكن فصل الزمان بتحوّلاته عن المكان بثباته؟ وهل يمكن فصل اللغة عن المكان؟ وهل يمكن عزل الثقافة عن الجغرافيا التي نشات فيها؟ أين إذن تشكّلت معالم الهويّة الكرديّة كهويّة ثقافيّة وكهويّة أجتماعيّة - ولن أقول هويّة قوميّة كي لا نُتّهم بالتطرّف -؟ هل تشكّلت في الفراغ؟ ألم تكن ثمّة جغرافيا عليها نسج الكرد هويّتهم وكلّ حكاياتهم؟ قد يأتي من يلعب على وتر التسميات والمصطلحات ليقول: في أيّ تاريخ كانت هناك جغرافيا اسمها كردستان؟ لأقول: إنّ سوريا لم تكن بهذا الاسم قبل الحرب الكونيّة الأولى وأفغانستان كان اسمها آريانا ثمّ سمّاها المسلمون خراسان وقبل مئتي عام فقط أصبحت أفغانستان, أي هذا لا يعني مطلقاً أنّه لم يكن ثمّة أفغان قبل مئتي عام, إنّ اسم كردستان كان موجوداً على أقلّ تقدير منذ عهد السلاجقة, وكان ثمّة جغرافيا يقطنها الكرد منذ اقدم العصور.
"كلّنا سوريّون" هكذا يقولون عندما تقع الواقعة, يجوز لهم التبرّك بسواد بني العباس الموجود في العلم العربي السوري, وهي لجريمة كبرى وتطرّفٌ وانفصاليّة حين يحمل الكرديّ علمه ويرفعه عالياً ليعانق وجه الشمس, كلّنا سوريّون ولكن لزامٌ عليّ أن أردّد ( عرين العروبة بيت حرام ) و ( لم لا نسود ولم لا نشيد ). تخلّى إذن عن عروبيّتك إن كنت سوريّ الهويّة, حينها يحقّ لك مطالبتي بالتخلّي عن كرديّيتي لصالح الهويّة السوريّة. ثمّ ينغّمون على وتر آخر ويقولون ( كلّنا مسلمون ) ليعيدوا الكردي إلى الحظيرة الأولى وهذا ما لن يتمّ مع كردستانيّي القرن الواحد والعشرين.
ثمّة نقاط أخرى يجب تبيانها : إنّ " فقر الوعي الأخلاقي في العالم العربي الإسلامي"- أمين معلوف - وسطوة الفكر الأحادي الشمولي والعقلية الذكوريّة وضعه - أي العالم العربي الإسلامي - أمام امتحانٍ صعبٍ من جهة عجزه عن استيعاب حقوق الآخر المختلف المتمايز عنه, في الوقت الذي يتباكى فيه أمام العالم بأنّ اليهود يضطهدونهم والأميركان يسلبون حقوقهم والغرب يتآمر عليهم, والحال هذه تنطبق على كلا من الأنظمة والمعارضات على حدّ سواء, وهذا الامتحان شهدناه إبّان بعض الثورات في العالم العربي, فالأمازيغ في ليبيا وتونس ما زالت تهمة المؤامرة ملتصقة بهم, وكذلك في سوريا فمازالت المعارضة  المتمثّلة بالمجلس السوري وهي لمّا تستلم السلطة بعد تنكر حقوق الشعب الكردستاني في غربي كردستان وسوريا في تصريحات لم تختلف كثيراً عن إنكار سلطة البعث نفسها. 
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى ثقافة قبول الآخر, إلى ثقافة احترام حقوق الآخر, والتخلّص من ذهنيّة الشكّ والارتياب من شركاء التاريخ والجغرافيا وجعلِ تلك الذهنيّة طيّ النسيان,  إذ لا يمكن لأحدٍ أن يحمل قطعة أرضه في جعبته ويرحل عن الآخر, هذا هو قدر كلّ البشر على هذه الأرض, والحقد الأصفر لن يجلب إلّا مزيداً من الفواجع والملّمات, وفي النهاية لا التاريخ أبقى ولا الجغرافيا, وما من قدسيّة تعلو على قدسيّة الانسان الذي هو غاية الوجود وجوهره, ولا معنى للوجود بدونه. لقد آن الأوان أن يسلب الإنسان من الهويّات أدواتها القاتلة بحكم انتماء كلّ البشر إلى هويّة واحدة هي الهويّة الإنسانيّة.

أحمد يوسف
الدانمرك
الحوار المتمدن 2012

      

في ذكرى اعتقال القائد والمفكّر الكوردي عبدالله أوجآلان


ربما هو قدَر الشعب الكوردي أن يتخلّى الجميع عنه في النهاية, لتبقى الجبال وحدها أوفى الأصدقاء, فدائماً كان الشعب الكوردي عرضةً للغدر والألاعيب والمؤامرات, وكلّ الوعود التي كان يتلقّاها الكورد من شركائهم في الوطن أو من بعض الدول الأخرى كانت تذهب أدراج الرّياح, وتأتي الطعنات من الخلف لتكبو الخيول المُيَمّمة شطر الحريّة و يبقى الكورد بانتظار أملٍ جديد.
منذ أوّل ثورة كورديّة في وجه السلطان العثماني مراد الأول عام 1574 ومروراً بعشرات الثورات الشعبيّة التي هبّت في وجه الطغيان والظلم على مرّ القرون الخمسة الماضية وحتّى يومنا هذا, يتعرّض الكورد للخيانة والطعنات وتتعرّض ثوراتهم للانتكاس. فباتت ذواكرنا مثقلة بأصورةٍ ملفوفة بالقتامة والغبن, ينقلنا التأريخ لحافّات النسيان وسرعان ما يُزهرُ ربيعٌ ما في بقعةٍ ما من الوطن, ليعيدنا هذا الربيع إلى قلب التاريخ مجدّدا, وهكذا كلّما يتمّ قتل الربيع يتجدّد فينا ربيع آخر, وكلّما يتمّ إعدام زهرة تتبرعم بتربتنا آلاف الزهور.
 في كلّ مرّة يتمّ إسقاط فرسان الكورد برماح الغدر, ويتمّ اغتيال الحلم في المهد أو بعد حين, وفي كلّ مرّة يحيّدون قادة الكرد رمياً أو طعناً أو إعداماً أو تسميماً أو إلقاءً في غياهب الأبد. ها هم ماثلون أمام أنظارنا, نقرؤهم كروايات لم تنتهي فصولها بعد, ها هو الشيخ سعيد بيران وكذا اسماعيل سمكو وسيّد رضا وإحسان نوري باشا, كلّ هؤلاء تمّت تصفيتهم والقضاء على ثوراتهم, وتمّ الغدر بهم بعد الوعود الكاذبة.
 قاسملو!! مازالت فيينّا تسيل نجيعاً, مازال دويّ الرّصاص يخترق عنان سماءها, الرّصاصة لم تقتله, وإنّما أحيت في الكورد ما كان مشارفاً على الفناء. والبيشمركه الخالد مصطفى بارزاني ما زال يسرد حكاية صداقة الجبال وغدر البشر, والقاضي محمّد قنديلٌ مازال معلّقاً بهامة السماء نوراً للحريّة.
واليوم يسدل الستار على عام آخر من أعوام العزلة على القائد والمفكّر الكوردي عبدالله أوجآلان, مضى ثلاثة عشر عاماً على اعتقاله في جزيرة نائية في بحر مرمره, وذلك بعد تعرّضه لمؤامرة دولية دنيئة استهدفته واستهدفت بذلك كلّ الشعب الكردي الصّامد في وجه المِحن. فهناك في ( إيمرالي ) ثمّة بريق أملٍ فليتلقّفه أحرار العالم, هناك في (إيمرالي ) ثمّة فارسٌ كورديّ يكافح من أجل الإنسان.
في الخامس عشر من شباط عام 1999 تكاتفت أكثر من ست عشرة دولة في مؤامرة اعتقال القائد الكردي, والدور الرئيس كان لشبكة الاستخبارات الاسرائيليّة الموساد وكذلك الاستخبارات الأمريكيّة ال سي آي أي, وتركيا فقط قامت باستقباله مكبّلاً ومخدّراً, فتركيّا لم تستطع وخلال أكثر من عقدين من الزمن القيام باغتياله أو خطفه رغم العديد من المحاولات الفاشلة. بهذه العمليّة البوليسيّة الرخيصة يغتال العالمُ مرةً أخرى صوت الشعب الكوردي وحلمه بالحريّة ,ويعيد التاريخ نفسه, وتستمر حلقات التآمر على الشعب الكوردي ليجترع آلامه وحيداً دونما أصدقاء.
إنّ عمليّة اختطاف واعتقال القائد الكوردي أوجآلان يُعدُّ وصمة عار على جبين الانسانيّة, وخرقٌ فاضح لكلّ العهود والمواثيق, إلّا أنّ هذه العملية لم تثنِ الكورد عن نضالهم من أجل الحريّة والكرامة رغم كلّ المؤامرات التي حيكت وما تزال تحاك ضدّهم, بل هم الآن أكثر إصراراً على السلام والحريّة أكثر من أيّ وقتٍ مضى.

أحمد يوسف
كاتب كوردي سوري
الدانمرك
الحوار المتمدن 2012


Sunday, August 19, 2012

Çarşemȇn bendewariyȇ


   
       Giran- giran perdeyên tarîtiyê ji ser hevrêşimên berbangan xwe vedikişînin,
roj xwe di bêtamiya rojan de windadikin,di ser hev re digevizin, çarşeman ji nava xwe bi dûrdixin,
tu dibê belkî bingeh siya êşê ye û hemû ronahî awarte ne.
li wê derê, li cihê bilind an jî di tixûba ezmanan de, çêlebazên hebûnê hînî peyvên jiyanê bûne, bûne osteyên hestan…
di pêlên bablîsokan de melevaniyê dikin,
hemû mûvikên newalan, serhişkiya hemû çiyayan bi despanî kedî dikin, tirs ji wan ditirse, pirs ji wan dipirse: hûn çi ne?
periyên buhiştê?
Pêriyên dojehê?
Giyana suriştê?
Vîna firiştê? Helbet jîndarî ye ne mirin e.

Seydayê her kat û bîstikan:
seydayê çarşeman an seydayê her kat û bîstikan!
Ji çarşemên te bitirsin, tîpên te şevpesta bêtebatiya xewên duvpişkên oldar in.
Ji peyvên te madtirş in pêşkûrkên axê ên bikîn,
 ew xeleka mirina wan in.
lê ji peyvên te jî bi hêmin û aram in pêçekên îro û landikên siba û dergûşên ayendê,
ew xeleka hebûna lalên nûpeldayî ne.
Seydayê çarşeman an seydayê her kat û bîstikan!
Di pê te re çibû û çi nebû.
Gelo tu agahdarî !?
Paytextên gerdûnê dizanin tu çiya û darî,
Pertav û arî,
Lê dûrî , tenhayî , hejarî.
Gelo tu agahdarî !?
Rustemê te radestî nemiriya Cûdî kirin, û rojava raperî,
Çîçeka te li hespa Dewrêş kirin, û Botan dagirî,
Elîşêrê te vê payîzê ber bi asoya girnijok ve rêkirin, û Sîwas azirî... û çar çirûskên dî li hêviya çarşemê bûn, û hê jî li hêviyê ne...
Dilniyabe  seydayê axa gewreyan! silavên te gihandin Egîd û Zîlan û Şîlanan...
Helb-hestên  çarşeman:
Ey bûyera dûr a ku di hundurê bûyerê de!
Ji helbestên xwe tenê bişîne hestekê,
Mirûd bûne dilpijê mistekê, tenê ristekê
Rêke,û hemû tişt birêk û pêke.
Bawerin derbeder ku tu agahdarî feleketa asîmanan bûyî, arîşanên te hejiyan bi Wanê re,
Xwedê jî carna ji dexsokiya xwe namîne, bi tariyê re li hevdike, guhdide nifirên dilhîm û nemerdan.
Pêrçemokên mirinê, kundên kavilkirinê, pilindirên zingara mejiyê kufikî, vê payîzê, rê li buhara sî û şeş pinpinîkên berberoyê girtin - ma kesekî tu agahdakiriye seyda!!-  Ji jooor ve, jehrbaran kirin, agirbaran kirin, bombebaran kirin, xerdelbaran kirin, sotandin sî û şeş perperîkên tavsorkê...
Dilniya be seyda... qurnefîlên vîna wan li seranserî dîroka hebûnê belavbûn... û
wê bidome.

Ehmedê Yûsif
7/11/2011


الفكرُ القوميّ العربيّ قَرابَةَ قَرنٍ مِنَ الخَديعَة " محاولة نقدية لمرجعيّات الفكر القومي العربي"



إنّه لمِن البداهات وصف ذهنيّة البعث بالذهنيّة العنصريّة الشوفينيّة الفاشستيّة. لكن ما الجديد في ذلك؟ ومن أين استلهم البعث كل هذه العنجهيّة؟
حتّى نفهم البنية الفكريّة لحزب البعث وذهنيّته لا بدّ من التوغّل في المنابع الأولى المغذّية لهذا الفكر, وكذلك الوقوف عند مرجعيّات هذا الفكر الشمولي البغيض ومصادر شراسته التي لا تقلّ شراسةً عن شموليّة تيارات الفكر الديني.
القصّة ابتدأت بموت الرجل العثماني المريض قبل نحو قرن من الزمن, وقيام ما يسمّى ( تجنّياً ) بالثورة العربية الكبرى عام 1916 على يد الشّريف حسين. وعندما تمّ تنصيب الملك فيصل ملكاً على العراق طبع دولته بالطابع القومي العروبي مستفيداً في ذلك من جهود ساطع الحصري (1879-1968) الذي أخذ نجمه يسطع آنئذٍ كأوّل ملهم ومنظّر لنظريّة الفكر القومي العربي. فالحصري إذن هو الشعوبيّ الأول الذي رسّخ ثقافة العنصريّة وتفضيل العنصر العربي على غيره من الخلائق. انطلق الحصري في التأسيس لنظريّته من العصبيّة مدفوعاً بشحنة من الحقد على الآخر المختلف والغيرة منه في آن. هذه الشّحنة العنصرية تولّدت عند الحصري من اتجاهين اثنين: أولهما تأخّر العرب وتخلّفهم وتفوّق الغرب في كافّة المجالات, والاتجاه الآخر هو تصاعد الفكر القومي التركي بعد انهيار امبراطوريّة بني عثمان في الوقت الذي مازال فيه العرب أسرى الفكر الديني. فاعتقدَ الحصري أنّ الحل يكمن في ترسيخ فكرة القوميّة العربية القائمة على تحييد وإقصاء كلّ ما هو غير عربي, كما يعلن الاسلاميّون على الدّوام أن الحل يكمن في الاسلام.
 فإذا كانت شموليّة الفكر الديني تكمن في طمس معالم كلّ الثقافات في إطارٍ واحدٍ أحد, فإنّ شموليّة الفكر القومي تكمن في نبذ التشاركية ونفي كلّ  الثقافات وإبعادها وإقصائها. فكلاهما إذن يمارسان الاستبداد بطريقة ما.

إنّ الحلّ الذي أراده ساطع الحصري في حيثيّات نظريّته عن القوميّة العربيّة ومفهوم العروبة كان حلّاً متطرّفاً إلى أبعد الحدود, لكنّ فكرته لقيت صدىً كبيراً واستقطبت كل من يمتلك في ذاته بذرة العصبيّة من العروبيّين, وعلى هذا فقد راهن الحصري على ( وهمه ) كوسيلةٍ وحيدة للنهوض بالعرب, ولكنّه لم يزد الأزمة إلّا تعقيداً, فزاد الشقاق والاغتراب بين العناصر المختلفة المكوّنة للمجتمع الواحد. لنتساءل هنا, هل يمكن بناء مجتمع واعد متقدّم, وتأسيس دولةٍ صناعيّة حديثة, والقضاء على كل أشكال التخلّف بالاعتماد على فكرة رجعيّة قاصرة؟ الثابت هو أنّ أيّة فكرة قائمة على الإقصاء ونبذ الآخر, وأيّة نظريّة مبنيّة على تفخيم الذّات والنفخ في ( ماضٍ مجيد ) وإنكار وجود الأغيار بالمطلق , وكذلك قتل التنوّع ضمن أيّة منظومة مجتمعيّة, إنّ كل هذا لا يمكن أن يكون مطلقاً أساساتٍ لأيّة حالة نهضوية.
على هذا فإنّ ما جاء به الحصري وأمثاله من القومجيّين العرب الأوائل كان منهلاً مسموماً بسموم العصبيّة والتفرّد, وكان معيقاً بشكلٍ من الأشكال لحالة التطوّر الطبيعي للمجتمعات التي خضعت لِمَا سمّي فيما بعد بالدّول العربيّة, وهذا ما ولّد نتائج كارثيّة خطيرة في المراحل اللّاحقة, ونحن إذ نقول كارثيّة, لا نلقيه جذافاً, لأن فكرة القوميّة العربيّة أصبحت ملهمةً لكلّ الأحزاب العربيّة التي استولت على السُّلطة لاحقاً, وأقامت دولها على هذا الأساس. ومن ثمّ غَدَت تلك الدّول والمجتمعات عبارة عن تجمّعات بشريّة مقفرة وموحشة, ترزح تحت سطوة القائد الأوحد واللّون الأوحد والعلم الأوحد, واللّغة الوحيدة, ونفوسٌ مثقلة بالضغينة تجاه أيّ مختلف, وتعنيف كلّ طيرٍ يغرّد بلغةٍ مختلفة, ويرقص على أنغامٍ مختلفة تحت ذات السّماء. فهل من كارثةٍ أشدّ وطأة من هذه؟

لم تتوقّف مضخّات ومخاضات الفكر القومي العربي عند ساطع الحصري فحسب, بل تعدّته إلى منظّرين من نوع آخر أسبغوا فكرتهم القوميّة وصبغوها بجينات الشعوبية البغضاء, سنتوقّف في رؤيتنا للفكر القومي العربي أيضاً عند زكي الأرسوزي شيخ البعثيّين وأحد مؤسّسيه الأوائل, وأكثرهم غرقاً في التطرّف والعنصريّة. لقد ألبس الأرسوزي – وهو المحارب الشرس ضد الفكر الديني - ألبس مفهوم نشأة الأمّة لبوساً غيبيّاً مقدّساً, عندما ربط نشأة أيّة أمّة وظهورها على مسرح التاريخ بالعقيدة, والعقيدة عنده هي القوميّة الخالصة المنزّهة, وفي الحالة العربية فإنّ عوامل (غيبيّة) عدّة تآلفت وتضافرت في نشأتها, قد يبدو للوهلة الأولى أن تحليل الأرسوزي لنشأة الامم مقارباً للحقيقة ظاهريّاً, إلّا أنّ طريقة تناوله لنشأة القوميّة العربية تنمّ عن نزعةٍ قوميّة تعصّبيّة عدوانيّة, فهو إذ يلصق الخلود برسالته القوميّة إنّما يمنحها صفة الأزليّة, وهذا يتنافى تماماً ويتعارض مع سيرورة التاريخ المتحوّل غير القابل للثبات.
إذن فالأرسوزي يمثّل في طرحه الحالة القصوى من التطرّف القومي الذي يقف على النقيض تماماً من الفكر الديني, إلّا أنّهما من حيث النتيجة يلتقيان في ذات النقطة, وهو حينما دعا إلى تكوين وعي قومي بعيداً عن الفكر الديني المُسيطِر, وقع في ذات التطرّف لكن هذه المرّة بصبغةٍ قوميّة.
لم ينطلق الأرسوزي من فكرته هذه عن عبث بل يدركها تمام الإدراك, لأن رسالة القوميّة العربيّة –برأيه- أكبر من أيّة رسالة, وهي رسالة سابقة لأيّ فكر ديني. وكلّ رسالةٍ أتت بعدها غرفت من معين الأرسوزي ورسالته (الخالدة). وعندما كان الفكر الديني يمثّلُ البوتقة (الشاملة) التي تذوب فيها القوميّة العربيّة وتفقدها بريق تميّزها وتفوّقها, لا وبل تختلط بغيرها من القوميّات الأخرى من التي تدين بذات الدّين, فإنّ هذا سيقف عثرة أمام الأرسوزي للترويج لنظريّته حول القوميّة العربية التي تنطلق من أيديولوجية شموليّة متفرّدة تنبذ التعدّديّة والاختلاف, وهذا ما لن يتحقّق له في إطار الفكر الديني, ربّما يشعر أصحاب التوجّه الديني الآن بالغبطة, لكن لا يجب أن يقودنا الظّن بأنّ طاغوت الفكر الديني هو الملاذ للخلاص من طاغوت الفكر القومي المتعجرف, فقد قلنا فيما سبق بأنّهما يلتقيان من حيث النتيجة في ذات النقطة, وكلاهما يغذيان الشموليّة بشكل من الأشكال.
يقول الأرسوزي: " لمّا طغى الدخيل والهجين على بيئتنا, تقلّصت مشاعرنا الرحمانيّة, وعميت بصائرنا في الشؤون الإنسانيّة, واختلّ نظام القيم في مجتمعنا"  
إلى ماذا يصبو  الأرسوزي من مقولته هذه؟ إذن الأمّة العربية أمّةٌ طاهرة ومقدّسة لا تشوبها شائبة قطّ. وهي أمّةٌ مختارة لا تضاهيها أيّة أمّة أخرى, لكنّ هذا الاصطفاء والتفوّق بنظره لم يتحقّقان عن طريق الغارات الإسلامية على بلدان الغير والاختلاط بشعوبها, واكتساب أنماط الحياة ووسائل الحضارة من البلدان المغارة عليها, بل يرى العكس تماماً, فالعرب كانوا الأسياد الأطهار ولما اختلطوا بغيرهم فقدوا هذه الميزة. فالأرسوزي يعيد ما يعدّه أمجاداً إلى فجر التاريخ, وأنّ الأمّة العربيّة ذات علوٍّ في الشأن متفوّقة منذ نشأتها.
لنتوقّف عند الجملة الأولى " لمّا طغى الدّخيل والهجين على بيئتنا تقلّصت مشاعرنا الرحمانيّة" يلجأ الأرسوزي هنا إلى تزييف التاريخ وتحريفه ويقدّم ما يراه على أنّه هو الصواب والحقيقة. فمن الذي طغى على بيئة من؟ الحقيقة التاريخيّة تثبت أنّ العرب هم الذين كانوا الدخلاء الهِجَانَ على بيئات الغير, وليس العكس كما يدّعي الأرسوزي, هم الذين زحفوا من صحرائهم باتّجاه بلاد الشّام والعراق وشمال افريقيا, واستولوا على كلّ بقعةٍ وطأتها حوافر خيولهم وإبلهم, وأحلّوا لأنفسهم ما وقعت عليه أيديهم, الأمر الآخر الذي يؤخذ على ادّعاء الأرسوزي في فكرته هذه هو التنكّر الصريح والفاضح لفضائل الأقوام الاخرى في إعلاء شأن العرب تحت مسمّى الخلافة الإسلاميّة, لا بل يوعز الأرسوزي تأخر العرب وتخلّفهم في المراحل التاريخيّة اللاحقة إلى اختلاطهم وامتزاجهم بغيرهم من الشعوب والأمم. نقولُ: إذا كانت ثمّة حضارة عربيّة فإنّها لم تكن لَتعني شيئاً لولا جهود العلماء والفلاسفة والمترجمين من القوميّات الأخرى غير العربية الذين انكبّوا على دراسة علوم الاغريق وفلسفتهم وترجموها إلى اللغة العربية لغة " الأرسوزي".
إذن كل تقدّم وتطوّر – بنظر الأرسوزي- هو من العرب وكل مظهر من مظاهر التخلّف هو قادم من دخول الهجين على الأمّة العربيّة, ومن هنا أراد أن يؤسّس لوهم القوميّة العربيّة بالكذب على التاريخ وتحريفه, فاعتمد في تشخيصه للحالة العربيّة على التاريخ الذي تجنّى عليه هو وأمثاله من منظّري الفكر القومي العربي, ومن ثمّ أورد حلوله الكامنة في العنصريّة وإقصاء كلّ ما هو غير عربي, أو صهره وإذابته في قِدرٍ صدِئ اسمه القوميّة العربيّة, هو القِدرُ ذاته الذي سيلقي أتباع الأرسوزي تحته فيما بعد جمراتٍ لاهبةٍ من الشعارات والكلمات المنفوخة بالعروبة, وهو القِدرُ ذاتُه الذي سيغرف منه الكثير من الدكتاتوريّات جرعات مستديمة من التعنّت في العديد من البلدان العربيّة, حتّى لترى بعد عدّة عقود من اشتغال الأرسوزي والحصري وقسطنطين زريق وغيرهم على الفكر القومي العروبي, لترى أنّ الدول العربيّة قد تحوّلت قاطبةً إلى لوحة كئيبة يطغى عليها بؤسٌ مدقعٌ ولونٌ واحد لا تدرّج فيه ولا يجاوره أي لون آخر. فقط غراب ينعق بالعربيّة في كلّ الأرجاء على حلمٍ لا بل على وهمِ العودة إلى حالة الأرسوزي " الرحمانيّة ". وكلمة الرحمانيّة هذه التي استخدمها الأرسوزي  بلا شك لم يكن يقصد بها البَرَكة الربّانيّة بقدر ما كان يريد منها التأثير في عواطف العرب ومشاعرهم وإقناعهم بفكرته القوميّة المتعالية, وذلك لقناعته بمدى سطوة الفكر الديني على العقول العربيّة, فاستعار مفاهيم الدّين لخدمة نظريّته. ولكي يرسّخ أسسه النظريّة لا بدّ له – كما يرى - من سحق كلّ دخيل وهجين عل بيئته الصافية.
دخلت آراء هؤلاء المفكّرين – الذين أسميتهم ذات وقفة, بمنظّري العماء ومتفقّهي الفكر المُطَحلَب- دخلت آراؤهم حيّز التنفيذ ما أن استولى أتباعهم على زمام الحكم في الدول العربيّة, فأخذوا يمارسون أبشع انواع الإبادة والتنكيل والتمييز العنصري والقتل الجماعي بحقّ كلّ أمّة تأنفُ حنجرتها نطقَ الضّاد, وبحقّ كلّ مجموعةٍ قوميّة يأبى تكوينها المختلف الانصهارَ في بوتقة القوميّة العربيّة, واستمرّت معاناة الشعوب الأصيلة في المنطقة - وأشدّد على الشعوب الأصيلة كالأمازيغ في بلدان شمال افريقيا و الطوارق في ليبيا و الكُرد والسريان ( الأشور والكلدان ) والشركس وغيرهم في بلاد الشام والعراق.– هذه الشعوب لاقت وماتزال تلاقي الويلات من تبعات الفكر القومي العروبي العنصري.

ثمّة منبعٌ آخر من المنابع التي اشتغلت على صياغة الفكر القوموي العربي وأحد أعمدته وهو بالطبعٍ منبعٌ آسنٌ وعمودٌ صدئٌ عفى على أفكاره الزمن إنّه قسطنطين زريق ( 1909-2000). لقد أثبت التاريخ الحديث والمعاصر فشل مشروع زريق العروبي وهو الذي كان يعدّ " عربيّاً للقرن العشرين " على حدّ تعبير عزيز العظمة, ما إن مات زريق حتّى ماتت معه أفكاره التي حاول من خلالها التأسيس لمجتمعٍ عروبيّ خياليّ طوباوي بشكلٍ بعيدٍ كلّ البعد عن العقل والواقع, رغم محاولته إصباغ مشروعه القوموي صبغة العقلانيّة والهدوء واتباعه منهج التحليل الفكري في طرحه, وعلى هذا يمكن القول إنّ العروبة بمفهوميها النظري والعملي ماتت بموت قسطنطين, "وأزيلت كتبه حتى من الرفوف بعد أن كساها غبار الزمن ورميت في المزبلة" وذلك تأكيداً على أنّ العروبيّون قاطبةً لم يكونوا إلّا ظواهر صوتيّة, وانّ خطاب الوهم الذي كان سبباً في استمرارهم لما يزيد على النصف قرن هو ذاته الذي كان سبباً في هزيمتهم في ظلّ نظريّات الحداثة والتحرّر والديمقراطيّة وحقوق الإنسان, شأنه في ذلك شأن الخطاب الماركسي والخطاب الديني أيضاً,
فكلّ هذه الخطابات ( أي الخطاب القوموي والخطاب الشيوعي والخطاب اللّاهوتي ) لم تعد تجدي نفعاً كونها تخاطب اللّاوعي في الانسان وتعزف على وتر مشاعره فحسب من خلال وهم القيم والفضائل المزيفة والشعارات الفارغة, ولا تخاطب الوعي فيه ولا تقترب من عقله فضلاً عن أنّها خطابات لا تسدّ جوع بطنه أو جوع عقله أو تحترم كرامته وإرادته الحرّة.

عودٌ على بدء: إذا كان حزب البعث كان قد اتّخذ من هذه العقول المشحونة بعقيدة التفوّق الوهمي, ومتخمة بأفكار التفرّد والعنصريّة وجعل العرب دون سواهم أصحاب هويّة حضاريّة متفرّدة لا تدانيها أيّة هويّة أخرى, فهل يمكن أن نتوقّع أنّ سلوك البعث كان من الممكن أن يسير في غير هذا الاتّجاه؟ بالطبع لا, فهذه العنجهيّة والشوفينيّة وإقصاء الآخر هي من صلب منطلقاته ومن معين منظّريه الحاملين لسموم العصبيّة والتشنّج. إذن هذا هو البعث وهؤلاء هم أنبياؤه المرضى المصابون بعقدة العروبة ووهم الفكر القوموي العروبي, فسلوك البعث منذ 49 عاماً ما هو إلّا صورة حقيقيّة لهذا الوهم, وعندما تُردَّد بين الفينة والأخرى عبارة " استئصال البعث " فهذا أصدق تعبير على أنّ البعث وكلّ التيّارات القومجيّة الرجعيّة مرضٌ خبيثٌ لا بدّ من استئصاله ليتمّ بذلك استئصال الدكتاتوريّة والشوفينيّة والعنصريّة و الإقصاء والتهميش من منطقة شرق المتوسّط وشمال افريقيا, والخروج من محنة القوميّة إلى فضاءات المدنيّة والحداثة والتأسيس لحضارة ديمقراطيّة.
في الختام لا بدّ من التذكير بأنّ بروز النزعة القوميّة عند الشعوب الأصليّة في المنطقة- والتي يفضّل العرب تسميتهم بالأقليّات- لم تكن نتيجة ارتكازهم على نظريّة قوميّة بقدر ما كان ردّ فعلٍ طبيعيّ على تصاعد الفكر القومي العربي وطغيان القوميّين العرب واستبدادهم, هذه النزعة إنّما برزت كحالة دفاعيّة لحفظ الوجود في مواجهة سياسات الصهر والتعريب أو الإقصاء والنّبذ والتهميش التي تعرّضت ومازالت تتعرّض لها هذه الشعوب منذ استئثار القوميّين بالسلطة في مختلف بلدان العالم العربي, إنّ ما يؤكّد عدم ارتكاز هؤلاء الشعوب ( الأصليّة ) على نظريّة قوميّة واضحة المعالم هو بقاء هذه الشعوب دونَ كيانات سياسيّة جغرافيّة مستقلّة على انّهم أصحاب هذه الجغرافيا, وهذا يقودنا إلى الحكم بأنّ العنصريّة والعصبيّة لم تتسلّلا يوماً إلى أذهان هؤلاء الشعوب بناءً على نظريّة ابن خلدون في أسباب تشكّل الدول وأطوارها, فأحد أهم أسباب تشكّل الدول حسب ابن خلدون هي العصبيّة, وبذلك تمثّل هذه المجموعات الاثنيّة التي أصابها الغبن عبر التاريخ أرضيّةً خصبة للولوج في عصر الديمقراطيّة والتعايش السلمي, وحلّ قضاياهم إنّما يعدّ مفتاح الحلّ لمعظم القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة, فضلاً عن قضايا الديمقراطيّة والتحرّر وحقوق الانسان.

أحمد يوسف
4/2/2012
الدانمرك

" أؤكّد أنّ هذه الآراء لا تنمّ عن نظرة شعوبيّة تجاه العرب على الإطلاق, فهي مقاربة ومحاولة لفهم الأنظمة الدكتاتوريّة ومنظّري الفكر القومي العربي وليست إدانة للشعب العربي " أ. يوسف

الثورات المعاصرة هي ثورات على الأنساق الثقافيّة الكلاسيكيّة - قراءة في تحول الأنساق من نسق الطاغية إلى نسق التحرّر



هي جملة ابتدائيّة معاصرة لم يكن لها في الماضيين القريب والبعيد أيّ محلّ في تاريخ شعوب الشرق وأدبيّاتها وقواعدها, لم يكن لها أيّ معنىً في قواميس اللغة ولا في الذواكر المسحوقة لشعوب كانت تئنّ تحت وطأة جور الأنظمة المفعمة بروح التشبّث بعروشٍ خالدةٍ مخلّدة, إلّا أنّها باتت الآن من فواتح الكَلِم,وخواتيم الأساطين.
"
الشّعب ُ يريدُ إسقاطَ النظام " هي آيةٌ اكتسبت قدسيّةً عميقةً بالمعنى الوجوديّ, أفرزتها إراداتٌ تنصّلت من كل الإسقاطات الأبديّة لسَطوَةِ التابو, لتنتعش تلك الإرادات بأنساغٍ مديدةٍ كانت قد خَطمَتها استكاناتِ عُصورٍ خلت, إنّ آية العصر تلك النّاسخة لكل الآيات السابقة, استمدّت قدرتها وطاقتها من جمعها لمفرداتٍ كان يستحيلُ تجاذبها في فضاءاتٍ طوطميّة متصلّبة, بل كانت قد اكتسبت خاصيّة التنافر بفعل ميكانيزما الخوف المزمن.
الآن وبالعودة إلى الذات اكتشفت الشّعوب - المضطهدة - رغبةً جامحةً لتحقيق تحوّلها من الزيف إلى الحقيقة, من الكبت إلى التحرّر, والخلاص من شرنقة الرعيّة والقطيع والتحول إلى شعبً يصنع إرادته الحرّة في الوجود, من غير تحليق في سموات السلطان, ومن دون تغريدٍ في أقفاصه الصدئة.
إنّ العوامل التاريحيّة - السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة - مجتمعةً كانت كفيلة بخلق أفقٍ معرفيٍّ عصريّ مغايرٍ عن الأفق المعرفي الذي كان سائداً في الحقب السابقة, هذا النضوج في الأفق المعرفي - الجديد - الذي تخثّر في الوعي الجمعي للنُّظم الاجتماعية هو ضرورةٌ حتميّة لولادة نسقٍ ثقافيّ واجتماعيّ جديدين, لأنّ كلا الأنساق التقليديّة السابقة بدءاً من نسق المقدّس/المحرّم ومروراً بنسق الفحولة/الذكورة وانتهاءاً بنسق الطّاغية وما يبنهما من أنساقٍ و بنىً متحجّرة... كلّها لم تستطع إشباع الأفق المعرفيّ الجديد, فضلاً عن أنّ هذا الأخير لم يعُد يسلّم بتلك الأنساق التي باتت هشّةً وغارقة في تكرار ذاتها, ومحدثةً المزيد من المآسي.
الآن لتنوقف عند حقبتين تاريخيّتين من تاريخ شرق المتوسّط وجنوبه, ولنرى أية آفاقٍ معرفيّة كانت هي السائدة ؟ وأيّة أنساق أنتجت ؟
الحقية الأولى هي حقبة ماقبل منتصف القرن التاسع عشر الميلادي, وكان الأفق المعرفيّ السائد في تلك الحقبة أفقاً لاهوتيّا غيبيّاً اتّكاليّاً, خارج الانسان,لم يلامس حريّة الانسان وحقوقه إلّا بمقدار وضاعته وعبوديّته أمام السلطان الذي هو ظلٌّ للسماء و- ساقطٌ - منها, والنسق المُنتَج من هكذا أفق هو نسقٌ سلطويّ-عبودي, يحرّم الخروج على السلطان حتّى ولو كان جائراً.
أمّا الحقبة الثانية وهي الّتي تلي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وحتّى أمسنا القريب,فإنّ الأفق المعرفيّ الّذي كان سائداً فيه لم يكن ليستطيع الخروج من جلابيب القرون الأولى وذلك لسببً لا يخفى على فطين, وهو متانة البتى الثقافيّة و الأنساق الكلاسيكيّة التي كانت مستوطنةً في تلافيف الأدمغة وأعماق الذوات,هذا الافق الأخير الذي كان من المفترض وبحسب مُنظّري المرحلة أن ينتج نَسَقَه الثقافيّ المتّجه نحو الحداثة والديمقراطيّة والعصرَنة والتحرّر,كان - على العكس تماماً - أفقاً ضبابيّاً لم ينتج إلّا فقاعاتٍ باسم التحرّر وهالاتٍ نهضويّةٍ باسم الحداثة, فكان مهداً من سندسٍ نمَا فيه الاستبداد وترعرع, وبالتالي كان كالسّابقات من الآفاق المعرفيّة المولّدة للطاغية, وهذا يحملُ حَوبَتَهُ الكُبرى مفكّروا هذه الحقبة الذين جعلوا من الفكر القوموي - المؤدلج دينيّاً - أساسَهم النظري ومَرجِعَهم الفكري, وغالوا في ذلك إلى أن صنعوا نسقَ الديكتاتور/ الفَحل من خلال تغذيتهم للفردانيّة والتفرّد اللتان تقودان بشكلٍ حتميّ إلى الشموليّة, ولم يؤسّسوا للفرديّة التي تقود بالضرورة إلى التشاركيّة ضمن المنظومة الاجتماعيّة.
كلّ هذا أدى إلى خلق نوع من الارهاب الفكري والثقافي المُمَارَسَين على الفرد والجماعة على حدٍّ سواء وذلك بتبريكاتٍ قدسيّة من السماء- الحاضنة الأولى للتفرّد والوحدانيّة من خلال إسقاط ظلالها التسعة والتسعين على الأرض المبتلية بها.
بعد هذه القرون الطوال من ثقافة الوهم والخديعة, تخرج اللّعبة من أيدي منظّري العماء ومتفقّهي الفكر المُطَحلَب,وتسقط أنساقٌ كانت قد غاصت في الأعماق بجذورها, الإرادة هي التي تقتلعها, وتصبح مجاميع المضطهدين والمقهورين هي مستلم(ة) الزمام وقائد(ة) الدفّة.
إذن " الشّعبُ يريدُ إِسقاطَ النّظام " هو نتاج تراكميّة طويلة في الأفق المعرفيّ, فكان هذا التركيب الذي هو بداية أو لِنَقُل تأسيسٌ لمشروعِ نسقٍ ثقافيّ اجتماعيّ جديد, يدحر كلّ الأنساق الكلاسيكيّة الّتي ولّفتها أدمغة البلاطات المتملّقة, أمّا النسق الجديد فهو الذي نسجته إرادة الشارع بمدادٍ أحمر.
أصبح "الشّعبُ" هو المبتدأ, بعد ان كان منتهياً بضروبٍ جمّةٍ من آيديولوجيّاتٍ ميكافيليّة أنتجَها عَماءُ الخطابات المزيّفة للقوميّة البدائيّة, لتدجين الوعي الجَمعي بما لا يخدم إلا المنتجين لهاتيك الآيديولوجيّات, وكذلك لتعليب الفكر وتغليفه بمنطق المجابهة والممانعة, وتقديمه -اي الفكر-جاهزاً على مذبح الإرادة والحريّة والكرامة.
خرج الشعب من كونه لفظاً ورمزاً صوتيّاً دالّاً حاملاً للّاشيء, وعاد إلى كينونته الحقيقيّة وأصبح مدلولاً مفعماً بحقيقة جوهره,
أصبح "الشّعبُ" مرفوعاً بفعل الإرادة,وبفعل مراجعة ذاته وترتيب أولويّاته,بعد أن كان مكسوراً ومجروراً بجريرَة من كان يسوقُه, وهو " يُريدُ" أيضاً,بتصريفه الحاضر, وعندما ياتي فعل الإرادة بهذه الصّيغة فهو الإصرار عينه على تلك الإرادة, وهو انقلابٌ على كلّ صيغ التغنّي بالغابرات من الأمجاد, فليس ثمّة حيّزٌ لتسويفٍ ولا امتثال بعد الآن لنحيبٍ على طلل, هو الحاضر- بعد الإفاقة من خَدَر الماضي- الذي يقطع كلّ ماهو متفسّخٌ من حبائل الأمس الأسود, هو الحاضر الذي يربط آمال الغد بأوصال الإرادة ويجرّها لفضاءات الديمومة والاستمراريّة.
يركّز الشعب في إرادته على عمليّة ال"إسقاط" لطالما كانت كلمة البناء الواقفة على النقيض تمثّلُ فخاخاً من قبل النظام للهيمنة على الشّعب, فالنظام لم يبني إلا قطيعاً مهزوزاً مهزوماً من الكائنات البشريّة تسبّح بحمده صباحَ مساء, ولم يبني لنفسه إلّا نسقاً سلطويّاً, من خلاله يعبّر عن كافّة عقده ومركّبات نقصه, ويمارس ساديّته الرعناء على ذلك القطيع- الشعب لاحقاً - الذي هو أساساً كان مخلوقاً في مختبرات استنساخه.
إذن بعد أن امتلك الشعب الإرادة, أصبح " يُريدُ " ولكنّه لم يعد يريد البناء بل يريد ال"إِسقاطَ" بمصدره الصّريح المباشر غيرِ القابل لأيّ تأويل, والإسقاط عمليّة تتم من الأعلى إلى الأسفل, تبدأ بكسر الكلاسيكيّة في مفهوم الدولة وتنتهي بفتحٍ - مبين -لكلّ آفاق المدنيّة والعصرنة.
والمستهدف من عملية الإسقاط هذه هو " النظام " الرّاعي الاوحد للجهل والتخلف والهيمنة.
إنّ ما يريد الشعب إسقاطه هو نسقُ العتمة المستفحل في ثنيّات قرون الاستعباد الطويلة, إنّ ما يريد الشعب إسقاطه هو نسق الإقصاء والتحييد المتمثّل بالدولتيّة ومفهوم اللون الواحد.
هذا النسق الجديد هو خروجٌ على هرميّة الدولة الكلاسيكيّة لصالح التحوّل من البناء العمودي إلى البناء الأفقي والتأسيس لجمهوريّةٍ ديمقراطيّةٍ قوامُها مؤسّساتٍ مدنيّة.

بهذه التصاعديّة لدلالات مشروع النسق الثقافي والاجتماعي الجديدين, بدءاً من "الشعب" المستعيد لقيمته الدلاليّة ومروراً بالفعل "يريد" الحاضر الماثل المتجسّد, والمتجاوِز لكلّ الازمنة الاعتباطيّة الأخرى, ووصولاً إلى "إسقاط النظام" بإيقاعه المتصاعد المنسجم, يمكن تلمّس عمق الدلالات في هذا النسق -المُعلَن- الذي سيصبح هو السائد في خطاب الوعي, واللّصيق بالتطلّعات, على العكس من الأنساق السابقة كلّها الموسومة بالإيحائيّة والإضمار والقائمة على حشد الآيديولوجيا ديماغوجيّاً لقتل العقلنة في كلّ خطاب.

أحمد يوسف